هل الاهتمام برضى العملاء مبالغة؟

ربما مررنا جميعا بتجربة سيئة أثناء التواصل مع إحدى الشركات أو المشاريع لطلب خدمة أو منتج معين أو للاستفسار عن شيء من خدمة العملاء، وأنا كذلك مررت بكثير من هذه التجارب والتي كان آخرها قبل أيام عندما تواصلت مع مشروع صغير لطلب حلويات منهم بعد أن أبهرتني طريقة تسويقهم على السوشال ميديا وطريقة صاحبة المشروع المميزة في جذب الزبائن، نعم، بعد تأجيل عدة مرات للطلب أقنعني المشروع وأقنعتني صاحبته بأن أدخل على حسابهم الواتساب وأطلب... لكن القصة لم تنتهي هنا! 

انتظرت ثلاثة أيام تأكيدها على قدرتهم للتوصيل لمنطقة سكني، لكنني لم أحصل على إجابة... وعند تذكيرها بأنني لم أتلق الجواب بعد، كان ردها بطريقة جافة ومستعجلة بشكل يتناقض تماما مع حيوية المحتوى الموجود على الإنستغرام الذي كان السبب في طلبي منهم... 

السؤال الآن: لو كنتم مكاني وحدث معكم هذا الموقف، هل ستكملون التواصل والطلب؟ عن نفسي، لن أكمل...

وهذا ما دفعني لكتابة هذه المقالة... 

علاقتك مع عميلك هي رأس المال الحقيقي للمشروع

في عالم المشاريع الصغيرة والمشاريع المنزلية، رأس المال الحقيقي هو العلاقات مع العملاء، لأن صاحب المشروع وتحديدا في بدايات عمله لا يمتلك الميزانيات الضخمة التي يمكنه صرفها على نشر الوعي بمشروعه أو تعريف جمهور واسع من العملاء المحتملين بخدماته، فتتركز استراتيجيته في الوصول لعملاء جدد غالبا من خلال العلاقات المتراكمة والتي يدل فيها العملاء بعضهم البعض على هذا المشروع.

ولأصحاب المشاريع، يجب أن تتذكروا أن شعوري بالغضب وعدم حصولي على الرد بشكل يقدر ويحترم تواصلي مع المشروع، هو ذاته شعور العملاء المحتملين الذين حاولوا التواصل معكم ولم يجدوا الجواب أو كانت طريقة الرد سريعة و"رسمية" للغاية، دون محاولة إيجاد أرضية مشتركة للتواصل الوجداني وإعطاء الشعور بالتقدير والاهتمام لمن يتواصل معكم.

هل رضى العميل مهم لهذه الدرجة؟ أم أنها مبالغات؟

الجواب هو نعم.. لكن لنفسر أكثر في هذا الأمر، ولنأخد أهم 3 أسباب تدفع أصحاب المشاريع للاهتمام والحرص الكامل على رضى عملائهم:

1. عميلك هو مصدر دخل المشروع: رضى العميل يعني أن سيشتري المنتج أو الخدمة، وهو ما يعني أنه سيساهم في دخل المشروع، وعمليات البيع هي هدف كل مشروع، والتي لولاها لما استطاع المشروع أن يكمل في السوق، وبالتالي فإن العميل غير الراضي، يعني عدم شرائه لما تبيع، ويعني عدم وجود دخل، وبالتالي عدم قدرة مشروعك على الاستمرار... وهنا يجب أن نتذكر أيضا أن العميل الراضي هو المستقبل الأول لكل جديد تقوم بالإعلان عنه، وهو الضامن لاستمرارية مبيعاتك في المستقبل والمرحب الأول بكل جديد في المشروع.

2. عميلك الراضي هو قناة تسويقية مجانية: عندما يفرح العميل بالخدمة والتعامل الإيجابي معه، ويحصل على ما يريد، سيكون أهم قناة تسويقية مجانية لمشروعك، حتى لو لم يقم بكتابة تقييم أونلاين، وحتى لو لم يقم بالنشر عن مشروعك على السوشال ميديا، كن على ثقة تامة بأنه سيذكر مشروعك لدوائره المقربة، وسيوصي بك، وفي الحد الأدنى سيقوم بذكر مشروعك بإيجابية عندما يسأله أحد عن توصية لمنتج أو خدمة يقوم مشروعك بتقديمها، حينها حتما سيستحضر ذهنيا مشروعك وسيوصي به.

3. عميلك هو معلمك الأهم: تعليقات العملاء وردّات فعلهم على ما تقدم هي الأهم على الإطلاق، لأنها توجهك وتوجه مشروعك لمعرفة نقاط التطوير والتحسين التي يجب أن تعمل عليها وتطورها، فالعميل الراضي ربما كان قبل ذلك عميلا متذمرا أو صاحب شكوى، لكن بحكمتك كصاحب مشروع يعرف أين مصلحة مشروعه، أوجدت الأرضية الوجدانية المشتركة مع هذا العميل، واستوعبت الشكوى المقدمة منه، واحترمت رأيه، ثم قمت بتطوير ما يلزم، هكذا تماما أنت تتعلم من عميلك وتشعره أنه داخل دائرة مشروعك ومساهم في القرارات داخله وليس غريبا عنه، وبذلك تنشأ علاقة تبادلية من التغذية الراجعة بينك وبين عميلك مما يطور عملك، ويحقق الرضى والولاء عند عملائك.

خطوات عملية ستساعدك على تحقيق رضى أكبر للزبائن:

·  حدد رحلة العميل التي يمر فيها في مشروعك والتي تبدأ من لحظة معرفة العميل بمشروعك مرورا بكل تفاصيل تواصله لتكون على دراية بنقاط تفاعله مع المشروع أو قنوات التسويق الخاصة به، ففهم هذه الرحلة سيسهل عليك إدراك المحطات التي يجب ترتيبها لأن عميلك سيمر من خلالها قبل أن يطلب الخدمة أو السلعة منك.

·  تدرب على طرق الرد والإقناع، وقم بالتحضير لذلك، فيمكنك مثلا أن تحضر رسالة لطيفة للرد فيها على الرسائل (تحديدا من يتواصل للمرة الأولى) بحيث تبدأ بالترحيب باسم العميل المحتمل والتعريف بنفسك ثم توضيح بسيط عن المنتج أو الخدمة ثم الاستماع لما يريده إذا لم يكن قد شاركه بالفعل، ثم الإجابة عن استفساراته مثل توضيح السعر وإن كان هناك عروض، هذا التسلسل اللبق سيمثل المشروع ويعطي الصورة الأولية عنه، وهو ما سينطبع في ذهن العميل عنك وعن مشروعك... وتذكر دائما أنه مهما كانت كيفية السؤال والطريقة التي سأل بها العميل، فمصلحتك وواجبك أن ترد بلباقة لتكسب مشاعره وانتباهه واهتمامه.

·  الانتباه إلى أن الاختصار في الرد ليس بصالحك، لذلك حتى وإن لم يسأل عميلك عن تخوف معين أو تساؤل شائع، ضع نفسك مكانه، وقم بالرد على تساؤلاته التي من الممكن أن تتعلق بالجودة أو السعر أو الثبات أو التوصيل أو الطعم... وهذا بالطبع يعتمد على نوع المشروع.

·  خصص أوقات محددة في اليوم للرد على العملاء وتساؤلاتهم، لا تهملها لفترة طويلة، وهذا أيضا يعتمد على نوع المشروع، ففي الوضع المثالي، لا يجب أن ينتظر العميل أكثر من ساعة دون جواب، خاصة في قطاعات بيع المنتجات.

·  تذكر أن رحلة عميلك لا تنتهي عند خروج الطلب من عندك، لذلك كن حريصا ومنفتحا لطلب وسماع الملاحظات، هذه الجزئية ستعطي شعورا للعميل بأنه جزء من مسيرة وتطور هذا المشروع وبذلك ستحصل على ولائه.

·  لا تنسى أن جزءا كبيرا من مبيعاتك القادمة يعتمد على رأي عميلك الحالي الإيجابي، لذلك احرص على طلب التقييم بشكل مباشر.

ختاما، كصاحب مشروع، لا تكن ذلك الصيّاد الذي ربما يقضي دقائق طويلة بل ساعات وهو ينتظر أن تعلق بصنارته أو شباكه سمكة، وبعد أن يحصل ذلك، يتباطأ بسحب السمكة، وينشغل، ويفكر بماذا سيفعل في هذه السمكة الكبيرة التي تهز صنارته، وكل هذا يلهيه عن الهدف الأهم الآن وهو الإمساك بالسمكة قبل أن تفلت من صنارته، يستمر الصياد بالانشغال عن الهدف الرئيسي إلى أن تحرر السمكة نفسها، وتضيع عليه الفرصة.